اللغة العربية تبكي أهلها
صفحة 1 من اصل 1
اللغة العربية تبكي أهلها
لقد أصبح من اللافت للنظر في أيامنا هذه أن تجد كثيرا من الكتابات الأجنبية وخاصة الإنجليزية منها قد حلت محل الكتابات والحروف العربية، سواء في أسماء المحلات التجارية أو على الملابس والسيارات والإعلانات وبطاقات المعايدة وغيرها. والحقيقة أن هذه القضية وإن بدت بسيطة إلا أنها خطيرة ومهمة جدا. فهي تعكس ظاهرة متنامية في بلادنا العربية لمعادة اللغة العربية وتجاهلها في الحياة الخاصة والعامة على حد سواء. فليست المسألة مجرد حروف وكلمات بل هي ثقافة وانتماء وقومية ودين أيضا.
لقد بدأ العداء للغة العربية متزامنا مع الاستعمار السياسي ثم الاقتصادي الغربي للدول العربية والذي أعقبه هيمنة فكرية وثقافية واضحة الملامحة وصريحة الأهداف والغايات وهي تدمير اللغة العربية وتهميشها واستبدالها باللغة الإنجليزية، والأدهى من ذلك تكريه أهلها بها.
وليس هذا بمستغرب فقد أدركت هذه الدول منذ البداية حقيقة لم ندركها نحن وهي أن اللغة العربية هي جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي بل هي الطريق له في الكثير من الأحيان، بمعنى آخر فاللغة العربية هي جزء أساسي من الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية والهوية الإسلامية. ولذا دأبت هذه الدول على إعداد الخطط وإنفاق الميزانيات الهائلة لتدمير اللغة العربية وصولا لتدمير الإسلام والفكر الإسلامي.
لقد كان للغة العربية والأخلاق العربية التي حملها التجار العربي فيما مضى دور كبير في نشر الإسلام وتعاليمه في أقاصي الأرض خاصة في مناطق شرق وأواسط آسيا. وبينما يسعى سكان هذه المناطق الغير عرب لتعلم اللغة العربية ليفهموا تعاليم الإسلام يتخلى العرب أنفسهم عن لغتهم ويعادونها بالسعي لاستخدام اللغة الإنجليزية بدلا من لغتهم.
ولعل ما ساعد على تدعيم جهود تقويض اللغة العربية مساهمة الحكومات العربية والمنظومات السياسية فيها بذلك، فوسائل الإعلام غير مقصرة في ذلك سواء التلفزيون أو الإذاعة أو الصحف المطبوعة حيث نجد الكثير من القائمين والعاملين في هذه الوسائل هم في الحقيقة جاهلين لقواعد اللغة العربية، لذا نجد كثيرا من الأخطاء اللغوية لدى المذيعين أو الصحفيين أو حتى المدققين اللغوين الذين لم يتم اختيارهم بشكل جيد.
ونجد العداء للغة العربية حاضرا كذلك في المنظومات التعليمة العربية منذ مراحلها الأولى حتى الجامعة. فالتدريس أصبح بالإنجليزية وشروط القبول أساسها اجتياز امتحانات اللغة الإنجليزية حتى لطلاب الروضة والبستان ؟! وشروط القبول في الدراسات العليا تعتمد أساسا على الحصول على شهادة التوفل حتى في بعض التخصصات الإنسانية والاجتماعية التي تدرس موادها أصلا باللغة العربية.
وتطول قائمة العداء للغة العربية لتشمل أيضا التوظيف وشروط التوظيف في القطاعين العام والخاص. فالأساس اللغة الإنجليزية تحدثا وأحيانا كتابة وقراءة حتى لو كانت الوظيفة تقتصر على التعامل مع أبناء البلد العرب أصلا، وحتى لو كانت الوظيفة على بدالة الهاتف أو في مطبخ الشركة أو للمراسلين بين المكاتب.
والأدهى من ذلك أننا نواجه مطالب متواصلة باستبدال الأرقام العربية التي هي جزء من لغتنا الحبيبة بالأرقام الإنجليزية بحجة أن هذه الأرقام الإنجليزية هي في الأصل عربية وأن أرقامنا العربية هي بالأصل هندية، حتى وإن صدق هذا الكلام سيكون عمره آلاف السنين، فهل نرجع لشيء بهذا القدم ونتنازل عن شيء أصبح لنا وجنسناه بجنسيتنا العربية،هل يعقل هذا ؟ هذا إذا افترضنا أن هذه النظرية صحيحة. وقد طبق هذا الأمر للأسف أي استبدال الأرقام بوسائل الإعلام والتعليم والدعاية والإعلام. وقد زادوا في ذلك أن الصفر في اللغة العربية يشبه النقطة مما قد يؤدي للبس في الأرقام أحيانا وهي حجة واهية تماما. فالعرب يكتبون علومهم بهذه الأرقام في مخطوطاتهم منذ مئات السنين ولم يحدث لبس برغم ركاكة خطوط هذه المخطوطات بالنسبة لنا، وقد كانت هذه المخطوطات بأرقامها العربية مصدرا للعلم والمعرفة حتى الآن.
إن المحزن في الأمر أن يصل العداء للغة العربية لحد الظاهرة لدى أغلب الناس. فالغالبية العظمى من العرب خاصة في الدول العربية لا يدركون خطورة هذا الأمر أو يستهينون فيه. فعلى سبيل المثال وأنت تجلس تستمع لخطبة صلاة الجمعة في أي بلد عربي تجد أمامك في الصفوف العشرات من الشباب والفتيان يلبسون ملابس صبغت بحروف وأرقام إنجليزية والكثير منها غير مفهوم بل ربما كان يعني أشياء ومعاني غير أخلاقية أو تتنافى مع الدين الاسلامي وهي مفارقة عجيبة فبينما أنت تصلي ترتدي ملابس موشجة بالحروف والأرقام الغير عربية. والحقيقة أن هذه المسألة شائكة لأنها تتعلق بالهيمنة الصناعية الغربية ومشاكل الاستيراد والرقابة على المستوردات.
ولنزيد الطين بلة، أخذنا نتحدث بيننا في العمل وفي الشارع وفي البيت باللغة الإنجليزية رغم عروبة طرفي الحديث أو الحوار، وتضحك كثيرا حينما تجد كثيرا من الآباء والأمهات يتحدثون مع أبناءهم الصغار والصغار جدا واللذين لم يدخلوا المدارس بعد باللغة الإنجليزية فتجد هؤلاء الصغار لا يعرفون أي حرف من حروف العربية وكأنهم ولدوا وتربوا وعاشوا طيلة حياتهم في دولة غربية غير عربية.
إنه لشيء محزن أن تبقى الحروف العربية حبيسة الكتب والمجلدات بل والقليل منها لأن أغلب العلوم الآن في الدول العربية تؤلف باللغة الإنجليزية !! والمحزن أكثر من ذلك أن تبقى اللغة العربية رسوما للحب على جدران المدارس والمنازل وحوائط الحمامات بعد أن كانت هذه اللغة في يوم من الأيام لغة العلم الأولى. عوضا عن أنها لغة القرآن الذي نزل على نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عربيا صرفا.
يقول الشاعر الكبير حافظ إبراهيم رحمه الله في ذلك:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني
عقمت فلم أجزع لقول عداتي
ولدت ولما لم أجد لعرائسي
رجلا وأكفاء وأدت بناتي
وسعت كتاب الله لفظا وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم وإن عز الدواء أساتي
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أرى لرجال الغرب عزا ومنعة
وكم عز أقوام بعز لغات
أتوا أهلها بالمعجزات تفننا
فيا ليتكم تأتون بالكلمات
أيطربكم من جانب الغرب ناعب
ينادي بؤدي في ربيع حياتي
ولو تزجون الطير يوما علمتم
بما تحته من عثرة وشتات
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما
يعز عليها أن تلين قناتي
حفظن ودادي في البلى وحفظته
لهن بقلب دائم الحسرات
وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق
حياء بتلك الأعظم النخرات
أرى كل يوم في الجرائد مزلقا
من القبر يدنيني بغير أناة
وأسمع للكتاب في مصر ضجة
فأعلم أن الصائحين نعاتي
أيهجرني قومي عفا الله عنهم
إلى لغة لم تتصل برواة
سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى
لعاب الأفاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوب ضمن سبعين رقعة
مشكلة الألوان مختلفات
إلى معشر الكتاب والجمع حافل
بسطت ؤجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعث الميت في البلى
وتنبن في تلك الرموس رفاتي
وإما ممات لا قيامة بعده
ممات لعمري لم يقس بمماتِ
فهذا حال لسان حافظ إبراهم قبل عشرات السنين فكيف بهذا الشاعر لو عاش ليومنا هذا أكاد أجزم أنه لن يستطيع التعبير عن حال اللغة العربية والمهانة التي تتعرض لها من قبل أبناءها العاقيين لها ...
لا أقول ختاما إلا حسبنا الله ونعم الوكيل. ونسأل الله أن يعيد الهيبة للغتنا المكلومة وأنا يعيد العزة والتمكين لها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذه مجموعة من الصور من وحي الموضوع، هل لغتنا العربية قاصرة إلى هذا الحد ؟ وهل لم يبقى من مظاهر هذه اللغة الغنية إلا ذلك ؟ أترككم مع الصور والحكم لكم .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى